القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المنشورات

العجز النفسي | اكسر العجز المتعلَّم


العجز النفسي | اكسر العجز المتعلَّم

الفشل هو الفرصة التي تتيح لك البدء من جديد بذكاء أكبر.

أنت لم تُولَدْ عاجزا!

دعني أشرح لك كيف تعلَّمت العجز من محيطك الاجتماعي؛ فصرت غير قادر على تحقيق أشياء في حياتك، لطالما رغبت فيها.

يُولَدُ الإنسان، حين يُولَدُ، وليس في عقله أيّ تجربة أو خبرة سابقة مخزّنة. إِنْ هي إلاّ قواعد بديهية أودعها الله تعالى في عقله، تساعده على التعامل الأوّلي مع العالم الخارجي عند استقبال المثيرات عبر الحواس الخمس. ثم، مع مرور الزمن، يبدأ في اكتساب المعلومات والخبرات من المحيط الاجتماعي: الأسرة، المدرسة، الرُّفْقَة... إلى ما هنالك.


أهمية التجارب الأولى في حياة الإنسان

وهنا، تكون التجارب الأولى ذات أهمية كبرى في حياة الإنسان، وفي ضوئها تتحدّد كثير من معالم شخصيته، وتتشكّل معظم أفكاره عن نفسه ووسطه والآخرين. فإن كانت نتائج التجارب الأولية ناجحة؛ تعزّزت ثقته في نفسه وفي الآخرين. أمّا، إن كانت فاشلة؛ اهتزّت ثقته في نفسه وفي الآخرين شيئا ما. ومع هذا، فلن يَكُفَّ عن المحاولة مرة أخرى. لكن، إن تكرّرت تلك التجارب الفاشلة في مناسبات مختلفة؛ وقع تراكم في العقل لتلك التجارب، وطغت على الذاكرة؛ فأدّى ذلك إلى اليأس وفقدان الأمل. ومن ثَمَّة، الكفّ عن المحاولة تارة أخرى. وهنا، يتسلّط العحز المتعلَّم على الإنسان؛ فَيَسْلُبُهُ القدرة النفسية لا المادية على فعل كثير من الأشياء التي كان يفعلها من قبل، بل ويَسْلُبُهُ الرغبة في فعل أشياءَ جديدةٍ لم يسبق له أن جَرَّبَهَا سَلَفًا.


تجربة مارتن سليجمان حول العجز المتعلَّم

سأقصّ عليك تجربة أجراها عالم النفس مارتن سليجمان Martin E. P. Seligman حول العجز المتعلَّم أو اليأس أو فقدان الأمل؛ لأُقَرِّبَ من خلالها إلى ذهنك مدى تأثير العجز المتعلَّم على حياة الإنسان: أخذ سيلجمان فأرا جائعا، ووضعه في صندوق، ثمّ وضع خارج الصندوق قطعة جُبْنٍ، وأوصل الباب المفتوح بسلك كهربائي، بحيث إذا أراد الفأر الخروج من الصندوق لتناول قطعة الجبن؛ صُعِقَ. وكرّر التجربة مرّات عديدة، ثمّ قطع التيار الكهربائي عن الباب المفتوح، فكانت النتيجة أنّ الفأر كفّ عن طلب قطعة الجبن رغم جوعه الشديد.

أَ رأيت الآن، ماذا وقع للفأر الجائع المسكين؟

لقد توقّف عن طلب قطعة الجبن، رغم أنّ العائق عن الوصول إليها قد زال، بسبب تواتر التجارب الفاشلة في ذلك.

فقل لي: بادئ الأمر، هل كان عاجزا؟

كلاّ، لقد تعلّم العجز من المحيط الخارجي؛ فَكَفَّ عن المحاولة. وآثَرَ البقاء جائعا.

هذا ما يحصل لنا كذلك، نُولَدُ قادرين، ثم نتعلّم العجز من محيطنا الخارجي. لعلّ الأمر اتّضح لك الآن، ولم تَعُدْ بحاجة إلى مزيد شرح، ولم يَبْقَ عندك شك فيه. فَهَا أَنَذَا أضرب لك مثالا واحدا ربّما عشته أو تعيشه حاليا.


أمثلة واقعية على العجز المتعلَّم

ها أنت ذا طالب جامعي في السنة الأولى تدرس في شعبة علم النفس، كلّفك الأستاذ الذي يدرّسك مدخلا إلى علم النفس أن تنجز عرضا حول نظرية سيجموند فرويدSigmund Freud  التحليلية وتُلْقِيَهُ أمام زملائك في مدرّج الكلية، الذين يبلغ عددهم مائة طالبٍ. لعلّك الآن تشعر بشعور غريب يَجْتَاحُكَ ولا تستطيع له تفسيرا. لقد عادت بك الذاكرة إلى ماضيك الدراسي، حيث كنت تفشل في إلقاء العروض أمام زملائك في الفصل الدراسي؛ فتلمس من نفسك عجزا عن ذلك. إنّك ترغب الآن في التخلص من هذا العرض الذي كلّفك به أستاذك في الجامعة؛ لأنك تعتقد أنّك ستفشل أيضا. لقد تعلّمت العجز ولم تكن عاجزا؛ فاكسره.

وهذا العجز المتعلَّم ليس قاصرا على التّعلّم والتحصيل الأكاديمي، بل إنّه يتعدّاه ليشمل كل مناحي حياة الإنسان، في العلاقات الاجتماعية (صداقة، زواج...)، وفي العمل (وظيفة، شراكة، مشروع شخصي...) وأشباه ذلك. ولا تستغرب، إن قلت لك: إنّ هذا العجز المتعلَّم قد يدبّ دبيب النمل إلى جسد الدولة كلّها؛ فَيَشُلّه. ولو شئت؛ لضربت لك أمثلة كثيرة، لكنّ طبيعة هذه المقالة لا تتحمّل منّي الإطالة؛ حتى أساعدك على قراءتها، فأنت مثلي أنا تماما: تعيش في عصر السرعة، وترغب في الحصول على المعلومة من أقرب طريق دون كبير عناء.


هل أدركت، الآن، أنّك لم تولد عاجزا؟

المهمّ هو أن تَعِيَ أنّك لم تُولد عاجزا، وإنّما تعلّمت العجز من محيطك الاجتماعي، بسبب تراكم التجارب الفاشلة في عقلك. فلتحدّد المجال الذي تجد فيه نفسك عاجزا، ثم عُدْ إلى ماضيك، وانظر كيف اكتسبت هذا العجز، ثمّ عيّن أسبابه وعالجها واحدا تلو الآخر في حاضرك، لكي تستطيع المضي قُدُمًا في حياتك.


لا تقل لي: أنا ضحية تجارب الماضي الفاشلة

لا تقل لي: أنا ضحيةٌ – إِذًا – لتجارب الماضي الفاشلة. كلا، فأنت تملك الاختيار أن تستمر في لعب دور الضحية أو أن تنفض الغبار عنك، وتنطلق من جديد نحو تحقيق هدفك. فـــــ«الفشل هو الفرصة التي تتيح لك البدء من جديد بذكاء أكبر»، هنري فورد Henri FORD.

أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
د. محمد لعسيلي، استشاري نفسي وأسري وتربوي، مكوّن معتمد في التنمية الذاتية، باحث في الثيولوجيا والميتودولوجيا واللغة والأدب، صانع برامج تكوينية.