القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المنشورات

رَاقِبْ عقلك! | تأثير التفكير اللاواعي على نفسية الإنسان

https://lh3.googleusercontent.com/-x9fHF65Qb5c/YxUVGf0E74I/AAAAAAAAAPU/p2k3tAqWTPIt3AfVw3l4PSGCTbt-o8dogCEwYBhgLKu8DANzsobjxcPoUWWQBcsT9H75OyrUlVuIyy-NNG85cF56EgfRq8tmUhaT8DoVuN7OBZL0UFwOyNnMYoebRvFH51HxMU0HfEZaHO6AQc8G55rw_z8ZPm69SUIrt-E38lQpa1eaYuX_AtMhZfvKo8qr-XGjVFeXtTu-G3k_y0Uc7F3umrNNcgDzTrpjQXng1RZ_kZzw_PSA5X4KVEt2iwtShhmtXQP1a26BH6i2wHceqA4TBZbANFznx2nEkwzxgSRV5aYk6wX8uoW4GjVSrTxf4GXLGipO_Sz0jCPm9yN5oksPWQTqbJu6BbAZFjy1Opq9zQU5ySORsOkA722dLyG72WfYuBV67DZI3S9ZTKrJtNGYLidnufy2KvzcBqZjQF0J3RbW2hAZLKiHWNrLlpNm5YvUYqJHBn-_FldXRDxSLzuqGD3oIfRx5IGz9XZbm5hdlfdcJ7gP-4rpA19VH5ZxInqijxwnHCLIY_mVLGbaoOGK7nT8dbbDgGLOJlkbT8jAPkTFbxZvwKyI6VtX6O14eFxWmdznoOznHPI2Wffy6MWka8QHvyhxU6mWDFfi3VqXZOQe4Qah3vPX64F4AtkFLjU2cNJxmZXFe2xvHTMz9sqkMSIyTkgXFGSQ75Vnkg1dEKs16JhVF69Na3ZCiJAIoMIGv1JgG/w140-h84-p/%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2582%25D8%25A8%2B%25D8%25B9%25D9%2582%25D9%2584%25D9%2583%2B-%2B%25D8%25AA%25D8%25A3%25D8%25AB%25D9%258A%25D8%25B1%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D9%2581%25D9%2583%25D9%258A%25D8%25B1%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2588%25D8%25A7%25D8%25B9%25D9%258A%2B%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%2589%2B%25D9%2586%25D9%2581%25D8%25B3%25D9%258A%25D8%25A9%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25A7%25D9%2586.webp


رَاقِبْ عقلك! | تأثير التفكير اللاواعي على نفسية الإنسان

عقلك خادمك، لا سيدك!

أنت لست عقلك!

اعتاد شَحَّاذٌ أن يجلس بجانب الطريق لما يزيد عن ثلاثين عاما. ذات يوم مَرَّ به غريب. تَمْتَمَ الشّحاذ قائلا، وهو يقدّم قُبَّعَتَهُ: "أَعْطِنِي بعض قطع النَّقْدِ الصغيرة".

أجاب الغريب: "ليس لديّ ما أُعْطِيهِ لك". ومن ثَمَّ سأل: "ما الذي تجلس عليه؟"

ردّ الشَّحَّاذ: "لا شيء، إنّه مجرّد صندوق قديم أجلس عليه منذ زمن بعيد جدّا".

سأل الغريب: "هل نظرت إلى ما بداخله؟"

أجاب الشحاذ: "لا.. لم أنظر! إذ لا يوجد بداخله أي شيء".

ألحّ الغريب قائلا: "أَلْقِ نظرة فَحَسْبُ". فَتَدَبَّرَ الشّحَاذ أمرَ فتح الغطاء، فشاهد باندهاش وذهول مطلق وابتهاج، ولم يصدّق ما يراه! إنّ الصندوق كان مليئا ذَهَبًا.

أنا ذلك الغريب الذي لا يملك شيئا يُعْطِيكَ إِيَّاهُ، والذي يُلِحُّ عليك أن تنظر إلى داخل عقلك، لا إلى أَيِّ صندوق، كما في الحكاية.


أسمع في رأسي...

عندما يذهب شخص إلى طبيب ويقول: "أسمع في رأسي..."، فمن المرجَّح أن يرسله إلى معالج نفسي. والحقيقة أنّ كل شخص يسمع صوتا أو عدة أصوات في رأسه طَوَال الوقت، حوارات داخلية دائمة. إنها عمليات الفكر اللاإرادية التي لا تدري أن لديك القدرةَ على إيقافها.


أفلام عقليّة

من المحتمل أنّك صادفت أناسا "مجانين" في الشارع، يتكلّمون أو يُحَدِّثُونَ أنفسَهم على نحو لا ينقطع. حسنا، فهذا لا يختلف كثيرا عمّا تفعله أنت، وعمّا يفعله الناس العاديون الآخرون، إِلَّا أنّك لا تفعل ذلك بصوت عالٍ. الصوت العقلي الداخلي يعلّق، يتأمّل، يحكم، يقارن، يتذمّر، يحبّ، يكره... وهكذا دواليك.

ليس بالضرورة أن يكون للصوت صلة بالحالة التي تجد نفسك فيها الآن. فمن الممكن أن الصوت يُحْيِي الماضي القريب أو البعيد، أو يتدرّب على حالات مستقبلية محتمَلة، وغالبا ما يتصوّر أشياءَ تسير على نحو خاطئ، وتؤدّي إلى نتائجَ سَلبية، وهذا ما يسمّى القلق. وأحيانا فإنّ صورا بصرية يمكن أن ترافق شريط الصوت، أو "أفلامًا عقليّة". وحتى لو كانت للصوت صلة بالحالة الراهنة؛ فإنّه سيفسّرها بعبارات الماضي؛ لأنّ الصوت عائد إلى "عقلك المشروط" الذي هو نِتَاج لكل تاريخك الماضي، إضافة إلى أنه نِتَاج المناخ العقلي الثقافي الجمعي الذي ورثته.

لذلك، فإنّك ترى وتحكم على الحاضر من خلال عين الماضي، وتحصل على نظرة مشوّهة بشكل كامل عنه. إنه لأمر شائع أن يكون الصوت عدوّ الشّخص الألدّ. أناس كُثُرٌ يعيشون معذّبين. يسكن ذلك الصوت رؤوسهم، يهاجمهم ويعاقبهم باستمرار، ويستنزف قواهم الحيوية. إنه سبب البؤس والتعاسة التي لا تقدّر ولا تُحصى، وسبب كثير من المرض النفسي والعضوي.


راقب عقلك!

وهنا، أَزُفُّ لك بشرى سعيدة هي أنّك قادر على تحرير نفسك من عقلك. بإمكانك أن تخطو الخطوة الأولى "الآن"، بعد أن تفرغ من قراءة مقالتي هاته. ابدأ بالإصغاء للصوت الذي في رأسك قدر ما تستطيع، أَوْلِ انتباها خاصّا لتلك الأسطوانات التي يتردّد صداها في رأسك، ربما لسنوات طويلة. هذا ما أعنيه بــــــ"مراقبة عقلك".

عندما تصغي لذلك الصوت، أصغ إليه بتجرّد، لا تطلق أحكاما، ولا تُدِنْ ما تسمع؛ لأنّك إن فعلت؛ فستعود تسمع الصوت قد دخل ثانية ولو عبر الباب الخلفي. حاول، وأنت تصغي لذلك الصوت، أن تسجّل تلك الأفكار المصاحبة له التي تتكرّر في عقلك في مذكرة أو ورقة، وستفاجأ بما يحدث داخلك، لربما لأعوام مديدة دون وعي، وسَتُدْرِكُ آنَئِذٍ مدى تأثير تفكيرك اللاواعي على حياتك الراهنة. جرّبْ؛ تَجِدْ مِصْدَاقَ ما قَرَّرْتُ لك في هذه المقالة.


أَنْ لا تكون قادرا على وقف التفكير هو مرض خطير

وأقول لك في النهاية: أَنْ لا تكون قادرا على وقف التفكير هو مرض خطير، لكننا لا ندرك ذلك؛ لأنّ كل شخص تقريبا يعانيه، ولذلك يعتبر طبيعيا. وهذه الضجة العقلية المتواصلة تسبّب لنا كثيرا من الألم والتعاسة والمخاوف والمرض، إن لم نُحْسِن التعامل معها.

أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
د. محمد لعسيلي، استشاري نفسي وأسري وتربوي، مكوّن معتمد في التنمية الذاتية، باحث في الثيولوجيا والميتودولوجيا واللغة والأدب، صانع برامج تكوينية.