القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المنشورات

صنع العادة وكسرها


صنع العادة وكسرها

تقديم

كشفت دراسة أجرتها جامعة ديوك Duke University عام 2006 أن نحو نصف تصرفات الإنسان اليومية هي عادات يكررها باستمرار، بحيث لا يشعر بتكرارها وكأنه ينفذها آليًا، وهذا أمر جيد لأنه يريح الإنسان من عناء التخطيط لكل ما يقوم به من تصرفات رَتِيبَةٍ، كما يوفر عليه مهمة التوجيه والمراقبة والحذر في كل تصرف. فالعادة تجعل من السهل علينا أن نستحم ونرتدي ملابسنا ونعدّ قهوتنا وطعامنا دون تركيز.

في الستينات انتشر كتاب "علم التحكّم النفسي" Psycho-Cybernetic للمؤلف "ماكسويل مالتز" Maxwell Maltz يزعم فيه أنه يمكن لأي فعل أن يتحوّل إلى عادة في الدماغ بمجرد إجبار النفس على تكراره لمدة ثلاثة أسابيع، أي 21 يوما، لكن هذه الوصفة التي تتكرر كثيرا في دورات التنمية البشرية ليست صحيحة، وثبت مؤخرا خطؤها، فمثلًا بعض السلوكات الصحية البسيطة، مثل: شرب كأس من الماء قبل كل وجبة، قد يتطلب تكراره 18 يومًا فقط حتى يتحوّل إلى عادة طبقًا لإحدى الدراسات الحديثة، في حين تحتاج بعض العادات الأخرى، مثل: ممارسة الرياضة إلى التكرار لعدة شهور، وربّما تصل إلى عام.

ويقول عالم النفس "جيرمي دين" Jeremy Dean في كتابه "صنع العادات وكسر العاداتMaking Habits, Breaking Habits  إن نظرية تكوين العادة خلال 21 يومًا هي مجرد خرافة، فالعادة تستغرق في المتوسط 66 يومًا لتتشكّل. وتتطلب العادات الأصعب، مثل: التعود على تمرين عضلات البطن خمسين مرة كل صباح حوالي 84 يومًا، وذلك وفقا لدراسة أجرتها جامعة لندن.

لكن هذه الأرقام قد تختلف من شخص لآخر كما يقول "دين"، فالاعتياد يتعلق بقدرة كل شخص على استيعاب سلوكه وبظروف بيئته وصحته الجسدية ونمط غذائه، وعلى تأثير هذه العوامل مجتمعة على دماغه.

خطوات تشكيل العادات الجيدة

1) ضع إشارات لدماغك كي يتصرف تلقائيًا: عليك أن تدرّب دماغك على تكرار العادة الجديدة عبر تشكيل سلسلة من الأحداث قبل أن يبدأ تنفيذ العادة، فالتكرار يتسبّب في قطع سلسلة استجابات دماغك من الذاكرة، والدماغ لا يتعامل مع العادة وحدَها، بل يربطها بشبكة من التصرفات، وعند قيامك بهذه التصرفات مع تكرار يومي؛ فإنّها تتحول إلى عادة تلقائية.

فإذا أردت أن تعوّد نفسك، مثلا، على الركض فلا تؤجل هذا الفعل إلى أوقات الفراغ التي تتخلّل واجباتك اليومية، فقد تطرأ عليك أمور أخرى تشغل وقتك، بل ضع برنامجا محددا لتوقيت الركض كل يوم، واترك حذاءك الرياضي في مكان بارز ليبقى دماغك مستعدا، ومارس تمارين الإحماء قبل بدء وقت الركض، واشرب كأسا من الماء في وقت محدد أيضا استعدادا للركض، وهكذا تتحول سلسلة هذه الأفعال إلى محفزات تخبر عقلك أنه "حان وقت الركض"، حتى يصبح الركض عادة روتينية.

2) كافئ نفسك: أظهرت دراسة صادرة عن معهدماساتشوستس للتكنولوجيا MIT عام 2005 أن العُقَد القاعدية basal ganglia، وهي منطقة في الدماغ ترتبط بالعادات، تكون أكثر نشاطًا في بداية ممارسة العادة وعند نهايتها؛ لذا يبنغي تحفيز دماغك قبل البدء عبر سلسلة المحفزات المذكورة سابقا، ثم تقديم مكافأة لنفسك في النهاية لترتبط العادة بشيء محبب إلى نفسك.

لذا، ننصحك بأن تكافئ نفسك في نهاية المهمة لتحويلها إلى عادة، فمثلا بعد ممارسة رياضة الركض قدم لنفسك مشروبا منعشًا تحبّه، أو مارس أي هواية ترتاح لها نفسك. والمهم أن تأتي المكافأة في نهاية المهمة مباشرة حتى ترتبط بها في دماغك وتحفزك عليها.

خطوات ترك العادات السيئة

1) ابتعد عن كل ما يحفّز العادة السيئة، فمثلا إذا كنت معتادا على التدخين على شُرْفة بيتك، فابتعد عن الشرفة في الفترة التي تحاول فيها الإقلاع عنه.

في دراسة أُجريت على جنود أمريكيين عادوا من حرب فيتنام تبيّن أن 20%  منهم كانوا مدمنين على الهيروين عندما كانوا يخدمون خارج البلاد، ولكن 5% فقط واصلوا الإدمان بعد عودتهم للوطن، فالتغير في البيئة هو السبب الأهم.

2) استبدل النمط القديم بنمط آخر جديد، فإذا تخليت عن مشاهدة التلفاز الذي كان يقدم لك وسيلة للاسترخاء، فيمكنك أن تخصّص فترة الاسترخاء للتأمل أو القراءة كي لا تخسر مشاعر الراحة التي كان التلفاز يوفرها لك.

يقول "تشارلز دويغ" Charles Duhigg في كتابه "قوة العادات The Power of Habit "إذا لم تتعمّد العمل على مكافحة العادة السيئة لديك، أي ما لم تجد روتينًا جديدًا، فإن نمط العادة السيئة سيهيمن تلقائياً.

3) ضع أهدافا واقعية يمكنك إنجازها؛ فلا تقل مثلا إنك ستقلع عن كل عاداتك السيئة خلال يوم واحد، ففي مطلع كل عام يعزم نصف الأمريكيين على تغيير عاداتهم، وثلث هؤلاء يرغبون بإنقاص وزنهم وأن يكونوا أكثر تنظيمًا... لكن إحدى الدراسات تقول إن 8 % فقط منهم يستطيعون تحقيق أهدافهم للعام الجديد، بينما يستسلم ربعهم بعد أول أسبوع.

4) استغل الأوقات المناسبة، مثل: شهر رمضان وموسم الحج، فهذه أوقات ترتفع فيها قوة الإرادة، وتتهيّأ الأجواء المحيطة للتغيير. فالصيام يمنح للنفس إرادة مضاعفة لترك الشهوات؛ لأن الصائم يتخلّى عن ملذّاته الجسدية كلها لأكثر من نصف اليوم، وعلى مدى شهر كامل. كما يمكن استغلال الإجازات، مثلا للتخلي عن عادة مشاهدة التلفاز، واستغلال فترة الاختبارات ليتخلى الطلاب عن اللعب بألعاب الفيديو.

خاتمة

المهم هو أن يضع الإنسان في ذهنه أنه سيتخلى عن العادة السيئة؛ كي يكون واعيا بالتغيير، وليقطع الروابط في دماغه بين المتعة والعادة السيئة، حتى لا يعود إليها عندما تزول تلك الفترة التي تخلى فيها عن عادته. 

أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
د. محمد لعسيلي، استشاري نفسي وأسري وتربوي، مكوّن معتمد في التنمية الذاتية، باحث في الثيولوجيا والميتودولوجيا واللغة والأدب، صانع برامج تكوينية.