إنّ أثمن شيء في الوجود يعتبره معظم الناس مجّانا، هو: الوقت.
تقديم
يعيش الإنسان في متوسط العمر ستّين (60) سنة، يقضي عشرين منها في النّوم فقط، كما تفيد بذلك بعض الإحصائيات. ومع ذلك، تجد كثيرا من الناس، منهم التلاميذ والطلبة، يضيّعون أوقاتهم في أمورٍ لا تنفع، بل تضرّ في كثير من الأحيان، جسدَهم، وعقلَهم، وروحَهم، وعاطفتَهم. فَيَا تُرَى، لماذا يضيّع الناس أوقاتهم؟
أسباب ضياع الوقت
من بين
أهمّ أسباب ضياع الوقت، ما يأتي:
- عدم إدراك قيمة الوقت،
- غياب الأهداف الواضحة، وانعدام التخطيط،
- انتشار سلوكات وأقوال ومعتقدات خاطئة، من مثل:
- ليس لديّ وقت للتخطيط.
- الأعمال الكبرى هي التي تحتاج إلى تخطيط.
- الآخرون لا يسمحون لي بتنظيم وقتي، فأنا لا أقوى على قول "لا" لأيّ طلبٍ.
- "ليس لديّ وقت الآن!"، سوف أنجز هذا العمل في "وقت الفراغ!"
تمرين تطبيقي
ارسم جدولا مكوّنا من خانتين: (أسباب ضياع الوقت، حلول وبدائل)، ثم حدّد الأسباب التي تضيّع عليك وقتك، وجِدْ حلاًّ للتغلب عليها.
الوقت هو الحياة. إذا ضاع وقتك؛ ضاع عمرك.
إنّ
النّاسَ أجمعَهم في هذا العالم يملكون أربعا وعشرين (24) ساعة، وكذلك التلاميذ
والطلبة، فلماذا نجد أناسًا ناجحين وآخرين فاشلين في مناحي حياتهم؟
إنّ السّرّ في ذلك، يَكْمُنُ في مدى الإفادة من الوقت؛ لأنّ المشكلة ليست في عدم وجود الوقت، ولكنّ المشكلة في عدم إدارة الوقت بشكل جيّد. إنّ إدارة الوقت شرط أساسٌ من شروط النّجاح في حياة الإنسان، سواء في الجانب الدّراسي، أو المهني، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الصّحّي، أو النفسي... إلى ما هنالك.
فوائد إدارة الوقت
ولإدارة
الوقت فوائد عظيمة تعود على الإنسان بالنفع في حياته، منها:
- تحقيق النجاح في مناحي الحياة،
- كثرة الأعمال المنجزة بإتقان،
- تجنب الملل والرّتّابة،
- تنوّع الأنشطة في اليوم،
- الإفادة من الوقت إلى أقصى حدود،
- الثقة في النفس وتقدير الذات،
- تجنّب تراكم الأعمال،
- تخفيض معدّل الضغوط النفسية.
هل الوقت يُدار في حقيقة الأمر؟
لكن، إذا علمنا أنّ الوقت لا يُدَارُ في حقيقة الأمر؛ لأنّنا لا نملك التّحكّم فيه، فهو ماضٍ ماضٍ، سواء استفدنا منه أو لم نستفد. فما الحلّ؟
إنّ الحلّ هو إدارة ذواتنا داخل الوقت؛ لأنّنا نملك التّحكّم فيها، وذلك بالتخطيط لكيفية قضاء وقتنا والإفادة منه ما أمكن. فالتخطيط هو الوسيلة الناجعة لإدارة أنفسنا داخل الوقت والإفادة منه. كما أنّ كلّ ساعة يقضيها الإنسان في التخطيط توفّر عليه ثلاث ساعات أثناء التنفيذ.
ما هو التخطيط؟
التخطيط هو مرحلة التفكير التي تسبق التنفيذ، حيث يضع الإنسان أو التلميذ أو الطالب لنفسه جدولًا زمنيا، يوزّع فيه الأعمال والنشاطات التي سيقوم بها خلال اليوم الواحد، تاركًا لنفسه فترات راحة بين الحين والآخر؛ حتّى يجدّد نشاطه، ويكسر حاجز الملل الذي يعتري النفس البشرية من جرّاء القيام بأعمال معيّنة.
وقبل أن يضع الإنسان أو التلميذ أو الطالب لنفسه جدولا زمنيا، ينبغي له أن يميّز بين الأعمال التي يَوَدُّ القيام بها وَفْقَ ما يأتي:
- هل هذا العمل مهمّ وعاجل (كالاستعداد للاختبار مثلا)
- أو مهم غير عاجل (كزيارة قريب مثلا)
- أو غير مهم وعاجل (كمشاهدة برنامج مثلا)
- أو غير مهم وغير عاجل؟ (كالذهاب في نزهة مثلا)
فعندما يطرح الإنسان (التلميذ / الطالب) على نفسه هذه الأسئلة ويجيب عنها، محدّدا الأعمال والأنشطة التي يودّ إنجازها خلال اليوم؛ سيلاحظ أنّ وقتنا معظمه يضيع في الأمور غير المهمة وغير العاجلة، وفي أحسن تقدير يذهب سُدًى في الأمور غير المهمة والعاجلة. لذا، يتحتّم علينا التخطيط الجيد لإدارة ذواتنا داخل الوقت بشكل ناجع، يُسْهِمُ في تطوير قدراتنا وتحسين مهاراتنا وتوسيع مناحي إدراكنا، وذلك بإعادة ترتيب الأولويات.
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ
***
إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقُ وَثَوَانٍ
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا
***
فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانٍ
أحمد شوقي، أمير الشعراء
هل التخطيط وحدَه كافٍ لإدارة الوقت بشكل فعال؟
قد يُعِدُّ الواحد منّا جدولا زمنيا خاصّا به ينظّم من خلاله أعماله اليومية أو الأنشطة التي يَعْزِمُ على إنجازها خلال اليوم، بعد أن يصنّف أعماله أو أنشطته حسب الأهمية والعُجَالَة، فيظنّ ذلك كافٍ لاستثمار وقته أحسن استثمار.
كلاّ! بل لابدّ من أن تخصّص لنفسك نصف ساعة قبل النوم من كلّ يوم؛ حتى تُجْرِيَ فيها تقييما لمدى التزامك بالجدول الزمني الخاصّ بك، وتبحث عن الأسباب التي دفعتك إلى الإخلال بجزءٍ منه، وتبحث عن كيفية التغلب عليها إِنْ عَرَضَتْ لك مرّة أخرى. ولْتَعْلَمْ أنّك إذا التزمت بجدولك الزمني لمدّة واحد وعشرين (21) يومًا تقريبًا؛ سيصير، غالبًا، عادة لك، ولن تستطيع الاستغناء عنه أبدًا طيلة حياتك؛ لأنّك سترى نتائجه العظيمة عليك رَأْيَ العين، في الدراسة، والوظيفة، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الأسرية...
ختاما
ولا تَظُنَّ أنّ جدولك الزمني سيتحكّم فيك، بل هو سيخدُمك أعظم خِدْمة؛ لأنّه ينظّم حياتك، "فساعة تنظيم خير من سنة فوضى"، ويُبْعِدُ عنك قَتَلَةَ الوقت ولصوصَه، الذين يقتلون حياتك، ويسرقون لحظات عمرك، دون أن تشعر.
ولْتَكُنْ على ذُكْرٍ، أنّ التخطيط الْمُحْكَمَ يصبح إهدارا للوقت، ما لم تقم بتنفيذه. والقاعدة الأهم في ذلك هي: الانضباط الذّاتيّ النابع من إرادة جبّارة عازمة على الحفاظ على وقتها، متخطّية كل العقبات التي تعترض طريقها إلى النجاح والتفوق.
وتذكّر
أن «الفرق بين النّاجح والفاشل هو: الإفادة من الوقت» لا غير.