الذّاكرة والتّذكّر | مهارات التميز
الدراسي 04#
إذا أردت أن تتذكّر شيئا لا تعرفه؛ فاربطه بشيءٍ تعرفه.
تقديم
يمرّ التذكّر بثلاث مراحلَ أساسٍ، فمن دونها يقف الإنسان عاجزًا عن تذكّر المعلومات المطلوبة وقتَ الحاجة إليها، وتلك المراحل الثّلاث هي:
أوّلًا،
مرحلة التسجيل:
كثيرًا ما نظنّ أنّنا سجّلنا شيئا ما، ولكنّ ذلك لا يحدث ما لم نكن قد ركّزنا على ذلك الشيء، فليس كلّ ما نقابله يتمّ تسجيله. فنحن نسجّل ونختار بوعي أو بدون وعي. ولكي نتحكّم في التسجيل؛ علينا أن نَعْزِلَ كلّ ما يؤثّر في قصور الانتباه، فكثيرًا ما نلقي باللَّوْمِ على الذاكرة في مواقف تعجز فيها عن العمل، مثل المواقف الآتية: عندما نكون في عجلة من أمرنا، في حالة الاندفاع، أو القلق، أو الجَزَعِ، أو الانزعاج العاطفي، أو الإرهاق، أو عندما يقاطعنا أحد... فإذا لم يُخَزَّنْ شيء في الذاكرة؛ فلن يُسْتَرْجَعَ شيء بَتَاتًا.
وهذا، يشبه الكتابة على لوحة المفاتيح بجهاز الحاسوب، فهل يمكن أن تطبع صفحة لم تقم بكتابتها على لوحة المفاتيح؟! وهل يمكنك طباعة صفحة قمت بكتابتها على لوحة المفاتيح، ولكن جهاز الحاسوب كان مغلقا أثناء الكتابة؟!
ويتكوّن
التسجيل الفعّال من ثلاثة عناصر:
1) التركيز الجيّد: فَبِدُونِ التركيز الجيد في الشيء الذي نريد تسجيله لا يمكن أن يتمّ التسجيل قطعًا.
2) تعلّم استراتيجيات التّسجيل: هناك استراتيجيات مختلفة لتسجيل المعلومات في الذاكرة، من أشهرها: استراتيجية جسم الإنسان، واستراتيجية المسار المكاني. ويمكن استعمال الأمور الآتية أثناء تسجيل المعلومة:
- الصّورة: لو سألتك: ما هي المدرسة الابتدائية التي درست فيها؟ فإنّ أوّل ما يتبادر لذهنك هو صورة المدرسة، فرغم أنّه مضت سنوات طويلة على دراستك الابتدائية إلا أن التّذكّر قويّ لوجود الصورة.
- الألوان: لو أردت أن تتذكر كلمة قِطّ، فإنّك لن تنساها لو تخيّلت قِطًّا بلون أصفر فاقع، وهذا ما يثبت أنّ قوّة الألوان وغرابتها يضاعف من قدرتنا على التذكر.
- المشاعر: يمكن أن لا تتذكّر ما تناولته في اليوم السابق في وجبة الغداء، ولكنّك تتذكر دومًا لحظة نجاحك في الدّراسة، ولحظة سماعك خبرَ وفاة أحد الأقارب؛ لأنّ المشاعر القوية سواء كانت إيجابية أو سَلبية تظلّ محفورة في الذّاكرة بقوة.
- النَّغَم: تذكّر الكلمات إذا كانت على شكل شعر هي أضعاف القدرة على تذكّرها إذا كانت بدون نَغَمٍ. فَفَرْقٌ - مثلاً - بين أن أقول لك: «إنّ عدد الركعات في الصلاة؛ أربع في الظهر، ثم أربع في العصر، ثم ثلاث في المغرب، ثم أربع في العشاء، ثم اثنتان في الصبح». وبين أن أقول لك: «إن الصلاة أربع بعدهن أربع.. ثم ثلاث بعدهن أربع.. ثم صلاة الصبح لا تضيع..» فلا شكّ حينها، أنّ الثانية أيسر في الحفظ من الأولى.
- الخيال: يمكن أن تنسى بسهولة كلمة "قلم"، ولكن لو تتخيّل قلمًا يَرْبِطُ بين بَيْتِك وبين مكان مدرستك، فإنك سوف تتذكره حَتْمًا.
- التَّذْكِرَةُ اللفظية: يمكن أن تحفظ بسهولة معلومات كثيرة باختصارها إلى أَحْرُفٍ، ثم الربط بينها؛ كي تشكّل كلمة واحدة، أو جملة واحدة، تكون عَوْنًا على تذكّر المعلومات المرتبطة بها، كجمع حروف الْمُضَارَعَةِ في كلمة 'أَنَيْتُ'، وحروف الزِّيَادَةِ في كلمة 'سَأَلْتُمُونِيهَا'... وهكذا.
3) استخدام الحواسّ كلّها في التسجيل: كلّما استخدم الإنسان البصر والسمع والإحساس معًا في تسجيل المعلومة؛ كان ذلك أَدْعَى لِتَثْبِيتِهَا في الذاكرة. فلا يمكنك تصوّر البَوْنِ الشّاسع بين طالبيْن أثناء المذاكرة، كان الأوّل يقرأ فقط من الكتاب بصمت، في حين كان الآخر يقرأ من الكتاب بعينه، بصوت مرتفع ومميّز - صوت مذيع أخبار أو مقدّم برنامج -، ويتخيّل كلّ ما يقرأ، ويشعر أنّه جزء من الشيء الذي يطالعه!!! طبعًا لا وجه للموازنة بين هذيْن الطالبيْن من حيث تسجيل المعلومة، والسبب هو أنّ الآخر استخدم أكثر من حاسّة في المذاكرة.
أثبتت التّجارب أنّ الإنسان يتذكّر في نهاية الشّهر 13 % من المعلومات التي حصّلها عن طريق السّمع، و75 % عن طريق السّمع والبصر، و95 % عن طريق الممارسة. ولذلك، فإنّ مقولة الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" المعروفة: «قل لي؛ وسوف أنسى. أرني؛ ولعلي أتذكر. أشركني؛ وسوف أفهم» صحيحة للغاية.
معادلة التسجيل الفعّال = التركيز الجيّد + تعلّم الاستراتيجيات + استخدام الحواس كلّها
ثانيا،
مرحلة الاحتفاظ:
ويتكوّن الاحتفاظ الفعّال من عنصريْن أساسَيْن:
1) القرار بالاحتفاظ: إنّ طبيعة الذاكرة تجعلها تحتفظ بأشياء لفترات طويلة جدًّا دون وعي منّا، خاصّة بتلك التجارب التي تكون فيها العواطف متأجّجة لأبعد الحدود مثلًا، أو التي حدثت لنا بشكل لم نعرفه سابقا... لذلك، فإنّ الاحتفاظ بالأمور الأخرى العادية في حياتنا يحتاج إلى قرار منّا بالاحتفاظ، ثمّ نستعمل الطرق الفعّالة في الاحتفاظ.
وينبغي أن يُعلم أنّ الذاكرة تحتفظ بالمعلومة انطلاقا من الهدف المحدّد لها سلفا. فمن الأخطاء التي يقع فيها التلاميذ / الطلبة أنّهم يحفظون دروسهم ويذاكرونها بنيّة اجتياز الاختبار لا غير، ثم إنْ هي إلاّ دقائق معدودات بعد اجتياز الاختبار، ويُنْسَى كلّ شيء، كأنّه لم يحفظْ أصلًا؛ لأنّهم لم يقرّروا الاحتفاظ بالمعلومات.
2) المراجعة على فترات: عند اتخاذ القرار بالاحتفاظ بمعلومة معيّنة، ونقلها إلى الذّاكرة طويلة المدى؛ فإنّنا نحتاج إلى مراجعتها على فترات متباعدة، هذه المراجعة تجعل المعلومة المسجّلة يتمّ تخزينها بشكل فعّال في الذاكرة طويلة الأمد. ومن هنا، يكون الاحتفاظ بالمعلومات بطريقة واعية.
معادلة الاحتفاظ الفعّال = قرار بالاحتفاظ + المراجعة على فترات
أخيرا،
مرحلة الاستدعاء:
وترتكز على ثلاثة عناصرَ أساسٍ، هي:
1) التسجيل الفعّال: فَكُلَّمَا استخدمنا أساليب التسجيل الفعّال التي مرّت؛ كان استدعاء المعلومة سريعا وناجحا.
2) الاحتفاظ الفعّال: كلّما قمنا بالاحتفاظ الجيّد بالمعلومات من خلال تخزينها في مخازن الذاكرة طويلة الأمد، بمراجعتها على فترات متباعدة كما سبق شرحه آنفًا؛ كان استدعاؤها سريعا وناجحا أيضًا. وإخفاق التلميذ / الطّالب في استدعاء معلومة معيّنة أثناء الاختبار يرجع في أغلب الأحيان إلى عدم فعّالية التسجيل لديه، أو عدم نقله المعلومةَ إلى الذاكرة طويلة المدى.
3) الرّبط الفعّال: كلّما ربطنا بأسلوب فعّال بين المعلومات الجديدة التي نريد تذكّرها، مع معلومات نعرفها جيّدًا؛ كان استدعاء المعلومات الجديدة أسرع وأسهل. قال توني بوزان Tony Buzan: «إذا أردت أن تتذكّر شيئا لا تعرفه؛ فاربطه بشيءٍ تعرفه». ولذلك، يُعَدُّ فنّ الذاكرة هو فنّ وضع علامات للتذكّر.
معادلة الاستدعاء الفعّال = تسجيل فعّال + احتفاظ فعّال + ربط فعّال
خاتمة:
إذًا،
فمراحل التذكّر هي:
التذكّر = التسجيل + الاحتفاظ + الاستدعاء