القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المنشورات

تنشيط الذّاكرة | مهارات التميز الدراسي 03#

تنشيط الذّاكرة | مهارات التميز الدراسي 03#


تنشيط الذّاكرة | مهارات التميز الدراسي 03#

ليس هناك ذاكرة قوّية، وأخرى ضعيفة. ولكن، هناك ذاكرة مدرّبة، وأخرى غير مدرّبة.

تقديم

الذاكرة هي مَلَكَةٌ تُخَوِّلُ للإنسان الاحتفاظَ بالخبرات التي مرّت به في حياته منذ اكتسابه الوعيَ واسترجاعَها، سواء كانت تلك الخبرات متعلقة بالحياة اليومية، أو بالأشخاص الذين عايشهم أو التقى بهم، أو بما اكتسبه أو تعلّمه. فالذّاكرة تشمل كل ما اختزنه العقل ممّا مرّ بماضي الإنسان البعيد أو القريب، وهي ركيزة العقل، فلا عقل بدون ذاكرة، كما أنّها أساس المواهب والقُوى العقلية كلِّها من تفكير وتخيّل وإبداع...


نظريات الذاكرة

من أهمّ النظريات التي حاولت أن تعطي تفسيرا علميا لعمل الذاكرة هي:

1) نظرية أفلاطون Platon (ق 4 ق.م): وهو أوّل من قدّم فكرة رائدة في مجال الذاكرة، وكان ذلك في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد عرض نظريته باسم نظرية لوح الشّمعWax Tablet Hypothesis ، فبالنسبة له، فإنّ الذاكرة تتقبّل الانطباعات بالأسلوب نفسه الذي يتأثّر به الشمع عند الضغط عليه بشكل مدبّب. لقد افترض أفلاطون أنّه متى وصل انطباع معين إلى الذاكرة؛ فإنه يظلّ باقيا حتى يتلاشى مع الوقت تاركا السطح ساكنا بلا أثر، وهو ما اعتبره مساويا للنسيان.

2) نظرية جالينوس Claudius Galenus (ق 2 م): هو الطبيب العظيم وقتَ الإغريق، الذي أظهر في القرن الثاني بعد الميلاد، أنّ العمليات العقلية وعمليات الذاكرة هي أجزاء المرتبة الأدنى للأرواح الحسية، حيث رأى أنّ هذه الأرواح تخلّقت في جوانب المخ، ومن هنا فإنّ الذاكرة جزء من الرّوح.

3) نظرية دافيد هارتلي David Hartley (ق 18 م): جاء في القرن الثامن عشر، وكان متأثّرا بأفكار إسحاق نيوتن، فقام بتطوير النظرية الاهتزازية للذاكرة، فقد اقترح أنّ هناك اهتزازات خاصّة بالذاكرة في المخّ، تبدأ قبل ميلاد الإنسان، وتتولّى الأحاسيس الجديدة تخفيف الذبذبات الموجودة من حيث الدرجة والنوع والمكان والاتّجاه.

4) نظرية وايلدر بينفيلد Wilder Graves Penfield (1959 م): وهو جرّاح إكلينيكي، قام في أواخر الخمسينات من القرن العشرين بالبحث عن الأساس البيوكيميائي للذاكرة، فاقترح نظرية الحمض النّووي الرّيبي (RNA)، بأنّه هو الذي يعمل وسيطًا كميائيًا للذاكرة.

5) نظرية توني بوزان Tony Buzan (1990 م): وهو أستاذ الذاكرة، يرى أنّ الذاكرة يمكن اعتبارها عضلة كسائر عضلات جسم الإنسان، تزداد كفاءتها على حفظ المعلومات واستدعائها بالتدريب المستمرّ، والتمارين العقلية، فليس ثَمَّةَ ذاكرة ضعيفة، وأخرى قويّة. ولكن، ثمّةَ ذاكرة مُدَرَّبَةٌ، وأخرى غير مُدَرَّبَةٍ.


موضع الذاكرة من الدماغ

لا يستطيع العلماء في الوقت الحالي أن يُحدّدوا موضع الذاكرة في مكان واحد من الدماغ؛ لأنّهم لم يتمكّنوا لحدّ الآن من تحديد الفرق بين طريقة التذكر وطريقة التفكير. والدراسات الأخيرة تشير، بشكل شبه قاطع، إلى عدم وجود منطقة دماغية محدّدة مسؤولة عن الذّكريات، يقول عالم النفس الأمريكي "ريتشارد جريجوري" Richard Gregory: «الذّاكرة تُشْرِكُ في عملها كل النّظام العصبي المركزي، كل معلومة يتم حفظها أكثر من مرّة في مناطق مختلفة؛ وهذا الحفظ المتكرر يجعل من الصعوبة بمكان إضاعتها أو نسيانها«.


أنواع الذاكرة

هناك تقسيمات كثيرة لأنواع الذاكرة، لكنّ أشهرَها تداولًا عند المهتمّين بهذا المجال تقسيمُها إلى ثلاثة أنواع باعتبار وقت احتفاظها بالمعلومة، وهي:

1- ذاكرة الحواسّ: تحتفظ حواسّنا المختلفة بالمعلومات لفترات لا تتعدّى الثواني، فمثلا يمكنك أن تتذكّر أيّ اليدين تمّ وَخْزُكَ فيها بعد 5 ثوانٍ بمجرد الإحساس بالألم، وكذلك الشّأن في حاسة التذوق بالنسبة لطعم معين...

2- الذاكرة قصيرة المدى: هي ذاكرة تحتفظ بالمعلومات لفترة لا تزيد عن 30 ثانية فقط، مثلا عندما نستمع إلى عدد من الأرقام؛ فإنّنا في حدود 30 ثانية نبدأ في نسيان أول رقم تمّ سماعه.

3- الذاكرة طويلة المدى: هي ذاكرة تحتفظ بالمعلومات لفترات طويلة قد تصل إلى سنوات، من خلال استراتيجيات محدّدة لنقل معلومات الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى، سواء بطريقة واعية أو غير واعية.


كيف ننقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة المدى؟

تشير الإحصائيات إلى أنّنا إذا لم نَقُمْ بنقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد، فسوف ننسى حوالي 80 % من تفاصيل المعلومة خلال 24 ساعة من تعلّمها. وقد أثبتت التجارب في هذا المجال أنّه يمكن نقل أي معلومة إلى الذاكرة طويلة المدى بكلّ سهولة من خلال مراجعتها على فترات متتالية بالطريقة الآتية:

  • مراجعة المعلومة بعد ساعة من تعلّمها،
  • مراجعتها بعد يوم،
  • مراجعتها بعد أسبوع،
  • مراجعتها بعد شهر،
  • مراجعتها بعد ثلاثة أشهر.

وتؤكّد ذلك التجارب التي أجراها على نفسه عالم النفس البَلْغَارِيُّ "هيرمان ابنغهاوس" Hermann Ebbinghaus؛ فقد كان يأخذ كتابا، ويحفظ منه مجموعة من المعلومات، ثمّ لا يراجعها، وبعد ذلك يسجّل نسبة المعلومات التي يتذكّرها بعد مرور الوقت، فلاحظ أنّه مع مرور الوقت لا يبقى من المعلومات التي تعلّمها سوى 20 %؛ ممّا جعله يؤكّد على أهمية المراجعة للاحتفاظ بالمعلومات الْمُتَعَلَّمَةِ واستدعائها من الذاكرة بسهولة وقتَ الحاجة. وقد أسهمت تجاربه في ظهور ما عُرِف بــ «الخطّ البياني للنسيان» أو «منحنى التّعلّم والنسيان» بالولايات المتّحدة الأمريكية عام 1913 م.

وتأسيسا على هذا، نلمس خطأ التّلاميذ / الطلبة حينما لا يتذكّرون المعلومات أثناء الاختبار، حيث إنّهم لم ينقلوها إلى الذاكرة طويلة المدى من خلال المراجعة على فترات متتالية للتّعلّم. مع أنّه لا يجب عليهم مراجعة تفاصيل المعلومة كلّها، بل يكفيهم مراجعة الملخّص فقط على فترات متلاحقة لِتَثْبِيتِ المعلومة في الذّاكرة، وتيسير استدعائها بَعْدُ.


أضرار العُطَل طويلة الأمد على الذاكرة

ويَجْدُرُ الإلماع إلى أنّ العُطَلَ طويلة الأمد تلحق أضرارا جسيمة بالمعارف المكتسبة خلال العام الفائت، كما أثبت ذلك تقويم تربوي أُجْرِيَ على المدارس والمعاهد؛ لأنّ المتعلّمين لا يحترمون خلالها قانون صيانة الذّاكرة، ومن ثَمَّ تتلاشى معظم معارفهم؛ ممّا ينعكس سَلْبًا على مستواهم الدراسي، إذ إنّ كلّ مرحلة من مراحل الدراسة مرتبطة بما قبلها ارتباطا عضويًّا، فالإخلال بمبادئ التعلّم في مرحلةٍ؛ يُفْضِي إلى ضَعف التحصيل لدى المتعلِّم في المرحلة القادمة قطعًا.


تجربة الدكتور Masaru EMOTO

قام الدّكتور "ماسارو إيموتو" Masaru EMOTO بتجربة مُفَادُهَا أنّه: عَرَّضَ أجزاء من الماء نفسه إلى كلمات مختلفة، منها: كلمات إيجابية مثل: 'الحبّ'، 'التقدير'، 'السعادة'... وأخرى سَلبية مثل: 'الغضب'، 'المرض'، 'الحقد'... ثمّ قام بتجميد الماء، وملاحظته بالمجهر الإلكتروني؛ ليكشف شكل البِلَّوْرَاتِ، وهنا كانت المفاجأة، فالماء الذي تعرّض لكلمات إيجابية؛ كان للبلورات أشكال جميلة. أمّا الماء الذي تعرّض لكلمات سَلبية؛ فكان لها أشكال قبيحة.


تأثير الإيحاءات السَّلبية على الذاكرة

فإذا عَلِمْنَا أنّ أكثرَ من 80 % من دماغ الإنسان ماءٌ، وأنّ انتقال المعلومات بين الخلايا يتمّ من خلال سيالة كهروكيميائية، فَتَصَوَّرْ مدى تأثير الإيحاءات والكلمات السَّلبية على ذاكرتك؛ مثل: "أنا ليس لديّ ذاكرة!" "أنا دائما أنسى بسرعة!" "هذه المادّة صعبة، لا أستطيع تعلّمها!" "أنا مصاب بمرض ألزهايمر!"... إلى آخر التُّرَّهَاتِ التي نقولها يوميًا لأنفسنا دون أن نَعِيَ، أو أن نفكّر فيها مَلِيًّا، وغالبًا ما تكون أبعدَ عن واقعنا.

وهناك تجربة أخرى تقرّر ما سبق، وهي تجربة المعلّمة "جين إيليوت" Jane Elliott، حين أخبرت تلامذتها أنّ العلم أثبت أنّ أصحاب العيون الزرقاء هم الأذكى؛ فارتفعت تلقائيا نتائجهم الدراسية بعد فترة قصيرة. ثمّ أخبرتهم أنّها أخطأت، فالعلم أثبت أنّ أصحاب العيون السوداء هم الأذكى؛ فارتفعت نتائجهم الدراسية، وانخفضت نتائج أصحاب العيون الزرقاء.

وقد جُرِّب هذا، أيضا، مع تلاميذ آخرين؛ فكانت النتائج باهرة في غضون مدّة وجيزة، حيث تغيّرت نظرتهم المغلوطة عن المادّة، وتَبِعَهَا تغيّر مفاجئ في نتائج تعلّمها؛ لأنّ الحالة النفسية، وطريقة التفكير، واللغة التي نحدّث بها أنفسنا، تؤثّر على سلوكنا تُجاه الشّيء؛ سواء في التّعلّم... أو في غيره من نشاطات الحياة.


خاتمة

لذلك؛ فقد كان مصيبًا الدكتور "نيل فيوري" Neil Fiore حينما قال: «حديث النفس الإيجابي هو الأداة القوية التي تعمل على تغيير المسارات العقلية«.

 

أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
د. محمد لعسيلي، استشاري نفسي وأسري وتربوي، مكوّن معتمد في التنمية الذاتية، باحث في الثيولوجيا والميتودولوجيا واللغة والأدب، صانع برامج تكوينية.