القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المنشورات

علاقة الزمن بالاضطرابات النفسية |  توقّف عن تحويل زمن الساعة إلى زمن نفسي!


علاقة الزمن بالاضطرابات النفسية |

توقّف عن تحويل زمن الساعة إلى زمن نفسي!

ضَعْ حَدًّا لخداع الزمن!

هل ستكمل قراءة مقالتي؟

هل ستكمل قراءة مقالتي أو أنّك ستلقي بها عُرْضَ الحائط، وتمضي قدما؛ إذا قلت لك: إنّك لا تعيش في الحاضر إلّا لحظات يسيرة؟! وهل ستصدّقني إذا قلت لك: إنّك عَبْدٌ لعقلك؛ فَأَعْتِقْ نفسَك منه قليلا؟!

لا تستغرب! لا تستعجل عليّ! دَعْنِي أشرح لك ذلك يسيرا!

هل سبق لك أن طرحت على نفسك هذا السؤال، ووجدت له إجابة شافية: لِمَ يُنْكِرُ العقل "الحاضر" أو يقاومه عادةً؟


أَفْرِغْ كُوبَكَ

أَفْرِغْ كُوبَكَ من كلّ ما تَبَادَرَ إلى ذهنك الآنَ من إجابات، وَاقْرَأْنِي بِتَمَعُّنٍ وَتَأَنٍّ؛ لأنّ عقلك لا يستطيع أن يعمل، ويبقى مسيطرا، من دون الزمن الماضي والمستقبل. لذلك، فهو يتصوّر "الحاضر" الذي لا يرتبط بذلك تهديدا له. فالعقل والزمن، في الحقيقة، لا ينفصلان.

تصوّر الأرض خَالِيَةً من الحياة البشرية، تَقْطُنُهَا النباتات والحيوانات فقط، هل كان سيبقى هناك ماض أو مستقبل؟ هل بالإمكان أن تتكلّم عن الزمن بأي طريقة مفيدة؟

إنّنا نحتاج إلى العقل إضافة إلى الزّمن؛ كي نؤدّيَ وظيفتَنا في هذا العالم. لكن تأتي لحظة يسيطران فيها على حياتنا، وهذه هي اللحظة التي يبدأ فيها الاختلال الوظيفي والألم والحزن.

فالعقل، كي يضمن أنه يبقى في موقع السيطرة؛ يحاول على الدّوام أن يَحْجُبَ الحاضر بالماضي أو المستقبل. تذكّر هذا دائما!


كيف تتخلّص من سيطرة العقل المرتبط بالزمن؟

ولكي تتخلَّص من تلك السيطرة؛ تَعَلَّمْ أن تستخدم الزّمن في الجوانب العملية لحياتك. يمكن أن تُسَمِّيَ هذا "زمن الساعة". ثُمَّ عُدْ، في الحال، إلى وعي اللحظة الحاضرة، خاصّة عندما يتمّ التعامل مع تلك المسائل العملية. في هذه الحالة لن يكون هناك تعزيز للزّمن النفسي، ولا تماثل مع الماضي ولا إسقاط إلزامي مستمر على المستقبل.

زمن الساعة ليس مجرد تحديد موعد أو التخطيط لدراسة أو عمل أو زواج أو مشروع. إنّه يَشْمَلُ التّعلمَ من الماضي، بحيث لا تُكَرَّرُ الأخطاءُ نفسُها مرّة تِلْوَ الأخرى، وتحديدَ أهدافٍ والعملَ على تحقيقها، واستشرافَ المستقبل بناءً على معطيات الماضي والحاضر، واتّخاذَ التدابير المناسبة على أساس ذلك.

فَحَتَّى هُنَا، يظلّ الأمرُ ضمن مجال الحياة العملية، بحيث لا نستطيع أن نعمل من دون الرجوع إلى الماضي والانتقال إلى المستقبل، لكن تبقى اللحظة الراهنة عاملا جوهريا. وأَيُّ درس من الماضي يصبح ذا صلة بالحاضر ويطبّق "الآن". وأيّ تخطيط، وكذلك أي عمل، يبتغيان هدفا محدّدا، ويعملان "الآن".


لا تحوّل زمن الساعة إلى زمن نفسي!

عليك بالحَذَرِ؛ لِئَلَّا تُحَوِّلَ زمن الساعة على نحو غير ذكي إلى الزّمن النفسي. على سبيل المثال: إِنْ أنت ارتكبت خطأ في الماضي وتتعلّم منه "الآن"؛ فأنت تستخدم زمن السّاعة. لكن، إِنْ أنت أَقَمْتَ به عقليا، ونشأ عن ذلك انتقاد ذاتي وندم وشعور بالذنب... واستمر ذلك في الحاضر؛ فأنت تستعمل الزّمن النفسي. عِنْدَئِذٍ، كُنْ مستعدًّا للأمراض والاضطرابات النفسية، فإنّها سَتَحُلُّ، قريبا، ضيفًا غير مرغوب فيه على بيتك!


منبع سَلبية الإنسان

تَنْبُعُ سَّلبية الإنسانِ من تراكم الزّمن النفسي وإنكار الحاضر شعوريا أو لاشعوريا؛ فالارتباط المرضي والقلق والتوتر والضغط والهمّ وسائر أشكال الخوف، ما هي إلا نتيجة سيطرة معالمَ كثيرةٍ من المستقبل، مقابل حضور غير كافٍ. وكذلك، فالإحساس بالذّنب والندم والحقد والشّكوى والحزن والمرارة وكل أشكال عدم الصَّفْحِ، إنّما سببها الانغماس في الماضي، مقابل حضور غير كافٍ أيضا.


الزمن النفسي سبب عذاب الإنسان ومشاكله

قد يَصْعُبُ عليك الاعتراف بأن الزمن سبب عذابك ومشاكلك، وقد تَعُدُّ كلامي مَحْضَ فلسفة فارغة، لكن، اعلم أنّني وضعت بين يديك كنزا ثمينا خلاصةَ أبحاثٍ نفسية، فلا تضيّع ذلك بالإِلْفِ والعادة اللَّذَيْنِ تَحَكَّمَا فيك، فتعتقد أنّ ذلك نَاجِمٌ عن أوضاع أو حالات محدّدة تعيشها في حياتك. أَجَلْ، يعتبر ذلك صحيحا؛ إذا ما نظرنا إليه من المنظار التقليدي المألوف. لن تتغير مشاكلك؛ حتى تتمكّن من التعامل مع الاختلال الوظيفي في عقلك، مُفْتَعِلِ المشاكل الرئيسِ بتعلّقه بالماضي أو المستقبل وإنكاره "الحاضرَ". هَبْ أَنَّ مشاكلَك كلَّها اختفت اليوم وأسبابَ عذابك وحزنك بسحر ساحر، وبقيت غير حاضر وواعٍ تماما، فإنّك سترى نفسَك منغمسًا في مشاكلَ مماثلةٍ وأسبابٍ مماثلةٍ لعذابك، وكأنّها ظلّ يرافقك أينما حَلَلْتَ وارْتَحَلْتَ. وفي النهاية تبقى المشكلة واحدة: العقل المتّصل بالزمن.


ظروف حياتك ليست هي حياتك

تَجْزِمُ أنّ اهتمامَك مُرَكَّزٌ على الوقت الحاضر، في حينِ أنّ الزّمن حَبَسَكَ في دوّامته؛ فلا يمكنك أن تشعر بالتّعاسة، وتكون حاضرا تماما "الآن". فما تشير إليه على أنّه "حياتك" هو ما يجب أن يُسَمَّى "ظروفَ حياتك" وهذا هو الزمن النفسي: الماضي والمستقبل. فبعض الأمور، لم تَجْرِ في الماضي كما اشتهيت، وما زلت تعاني ممّا أصابك في الماضي كما يصيبك "الآن".

وَحْدَهُ الأمل يساعدك على الاستمرار، لكنّ الأملَ يجعلك تركّز على المستقبل فحسب، وهذا التركيز الدائم على مستقبلك يُجَذِّرُ إنكارك "الحاضرَ"، وهكذا تَحْرِمُ نفسك من السعادة.

صحيح أن ظروف حياتي، حاليا، هي نتيجة ما جرى لي في الماضي، لكنّها تبقى ظروف حياتي الراهنة، وبقائي عالقا في هذا الوضع هو ما يجعلني تعيسًا لا غير.

اِنْسَ ظروف حياتك لبعض الوقت وانتبه لحياتك.

فما الفرق؟

ظروف حياتك موجودة في الزمن.

أمّا حياتك، فهي "الحاضر" الذي تملكه وتعيشه "الآن".

ظروف حياتك عمل من أعمال العقل.

أمّا حياتك، فحقيقية فعلية.

فَاعْثُرْ على البوابة الضيقة التي تُوصِلُ إلى الحياة التي اسمها "الحاضر"!

وطَوِّقْ حياتَك واحْصُرْهَا في هذه اللحظة. فقد تكون ظروف حياتك الحالية مليئةً بالمشاكل، وأغلب ظروف الحياة هي على هذا النحو، إِذْ لَا يَخْلُ إنسان ولا مجتمع ولا بلد من مشاكل. فَاعْرِفْ إذا كنت تعاني من مشكلة ما في الوقت الراهن، وليس غَدًا، وليس في غضون عشر دقائق، بل "الآن"، ثم تعامل معها بواقعية، واقْدُرْهَا قَدْرَهَا.


مشاكل العقل لا تحلّ على مستوى العقل

وتَيَقَّنْ أنّ مشاكل العقل لا يمكن أن تُحَلَّ على مستوى العقل؛ إذ ليس في وسعك التغلب على مشاكل الماضي؛ لأنّها حدثت، ولا مشاكل المستقبل؛ لأنّها لم تحدث بَعْدُ، لكنّ مشاكل الواقع يمكن أن تحلّ على مستوى الواقع. فَفَرِّقْ بين الأمرين؛ تَعِشْ سعيدًا، وَتُجَنِّبْ نفسَك كثيرًا من الأمراض النفسية؛ كالاكتئاب والقلق... والعضوية التي هي مَحْضُ أعراض لما هو نفسي؛ كارتفاع الضغط واضطراب نَبَضَات القلب وبعض أمراض الجهاز التنفسي والجهاز المناعي.

فَضَعْ حَدًّا لخداع الزمن!

أنت الآن في أول مقال
أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
أكاديمية إرشاد للعلوم النفسية
د. محمد لعسيلي، استشاري نفسي وأسري وتربوي، مكوّن معتمد في التنمية الذاتية، باحث في الثيولوجيا والميتودولوجيا واللغة والأدب، صانع برامج تكوينية.